تشرق الشمس على قرية من أرضنا هادئة كانت وجميلة يعيش فيها توأمان سيدان ذوي مكانة ونفوذ يعيشان جنبًا إلى جنب ومنذ زمن طويل كانا يشكلان توازنًا هامًا في الحياة ، كلاهما يعمل على إعطاء معنى وجمال ، ويحاولان تحقيق التوازن لتنعم بالاستقرار والهدوء . فأنت تصبح فيها على نسائم الصباح ، وزقزقة العصافير وحفيف أشجارها ، والماء يتدفق في عيونها وجداولها بسمفونية وموسيقى تطرب وتذيب القلوب ، إنها جنة خلقها الله في الأرض وصانتها أيادي الطيبين ، حيث يتعامل فيها الجميع بكل ما هو حسن ، طيب وكريم ، ولا ننسى في كل ذلك التوأمين السيدين فهما من كانا ينظمان كل شيء في توازن وانسجام . تسألوني بتعجب وفضول : من هم يكونون ؟ فأجيب ببساطة : ربما غابت عن بعضنا في تدافع الحياة ، أنتم تعرفوهما جيدا” ، إنهما السيد ( مسموح ) والسيد (ممنوع ).
إن السيد “مسموح” هو حرية الأفكار والمسامحة . إنه الذي يُسمح له بالقيام بأي شيء يجلب الإبتسامة على وجوه الآخرين.
أما السيد “ممنوع” فهو الجانب الحكيم الذي يتعامل مع تحديد القواعد والقوانين والحفاظ على التوازن . يحمي “ممنوع” المصالح المشتركة ويضمن أن القواعد تُطبق على الجميع بنفس القدر من العدل.
ولكن الحياة لا تدوم ، سيمفونية تعزف بانسجام فلابد أن يحدث فيها نشاز ، ربما من عازف مبتدأ أو ربما بنوتة في السلم خطأ أو ربما مايسترو غلبه التفرد والإنفراد أو عازف بات يعزف خارج السرب في تعالي لا أعلم وبين هذا وذاك الله أعلم والحاجة في نفس يعقوب .
المهم سيداتي وسادتي دعونا لا نغادر قصتنا بعيد ، في يوم جاء بعض من أهل القرية الى مجلس مسموح وهم يبجلون وينشدون خطابات وحكايات فيقولون ( مولانا مسموح علمنا وأغلبنا على يقين بأنه لولا أنت ما كانت قريتنا تنعم بالخير والسلام فالفضل كل الفضل لك وحدك ونحن نرى … ( فنظرهم مسموح بعين شرر ) لينتبهوا كيف هم يحدثون ، فاستدركوا وهم قائلين “عفوًا” نحن نشير سيدنا المبجل لو سمحت لنا بالإستشارة بأن أخاكم “ممنوع” قد تمادى في أمره وأصبح يجمع الكثير من حوله ويمنع من قوانينكم في عرفه ويسن تشريعات يقتاد بها آخرين ونحن نخاف ثم نخاف أن يعود أمركم ( لا سمح الله ) غير مسموع وكل ما فيه يصبح في نظام الممنوع “. فوسوس الشيطان لمسموح إحذر أخاك ممنوع ، وهكذا ضيق مسموح على ممنوع مكانه في القرية .
فضاقت الأمور يومًا بممنوع وقرر حينها أن يأخذ إجازة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. كان يشعر بأنه بحاجة للراحة والابتعاد. طلب من “مسموح” أن يتولى مهامه خلال فترة غيابه وقد وافق “مسموح” بسرور.
بدأت الفوضى تتسلل تدريجيًا إلى القرية في غياب “ممنوع”. لم يكن هناك أحد ليوقف المشاجرات الصغيرة بين السكان، وتراكمت النفايات في الشوارع، وانقطعت المياه عن بعض المنازل والأولاد لا يذهبون إلى المدارس والأشجار تقطع والبيوت تنهب والظلم يستشر وتعم القرية الفوضى والاضطرابات و بدأ الناس يشعرون بالقلق فممنوع لم يعد موجودًا ليقول ( لا ) في كل ما كان يدور .
في ذات الوقت، كان “ممنوع” يستمتع بإجازته في أحضان الطبيعة ويتشمس في هدوء وسكينة ، واستعاد هدوءه الداخلي ومع مرور الوقت بدأ يشعر بالحنين لقريته ولدوره المهم فيها كونه جزءًا من التوازن.
عاد “ممنوع” إلى القرية بعد انقطاع قصير، وبدأ يتعامل مع الفوضى بحكمة وسلام. أوقف المشاجرات وعمل على تحسين بنية القرية وشجع الناس على التعاون وقبول القانون والإلتزام وإحترام الحقوق والواجبات .
مع وجود “ممنوع” مرة أخرى، عادت الحياة إلى التوازن والهدوء. تأكد الناس من أن القانون والمبادئ التي يجسدها “ممنوع” و”مسموح” مهمة جدًا للحفاظ على توازن الحياة في القرية. أصبح الناس يقدرون العمل المتوازن بين الراحة والمسؤولية وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى سعادة واستقرار الجميع.
هذه قصة ممنوع ومسموح ، أذكروها فبهم وومعهم تدوم في أرضنا الحياة.
بقلم الدكتور علي الزويلف