الكتاب الأول

 : هنالك الكثير من المشاهد والفصول لأحداث نتعرض إليها تترك فينا أثرًا وتحدث أمرًا ، فأسمحوا لي أن أقص عليكم مشهدين منها 

المشهد الأول : في العاشرة من عمري عندما سمح لي والدي أن أدخل عالمه الخاص ( المكتبة ) وهو يعرفني بمحتواها (ولدي أنظر هنا …هذه مجموعتي من كتب القانون ، أما تلك فإنها كتب تتحدث عن التاريخ وهذه دواوين قصائد وأشعار ، هذه نسخة قديمة للقرآن الكريم ومعها كتب تتحدث عن الإسلام وتعاليمه وهذه … وهذه … وتلك … وأنا إليك ناصح بالقراءة فماذا أنت فيها راغب ؟  ) فأجبته  (إنها كثيرة ،فمن أين أبدأ ؟  ) فتناول كتاب من بين الرفوف المكتظة وقدمه لي وقال ابدأ بهذا  ، وكانت هذه البداية لرحلة طويلة في مسيرة القراءة للأدب العربي والتصفح في كتبه وثقافته .

المشهد الثاني : في الستين من العمر ، يتوقف المصعد فتدخل مجموعة من الأطفال الصغار من الجنسية العربية ويملأون الجو هرجًا وصخبًا يتحدثون وهم يتخاطبون باللغة الانجليزية وفي طياتها قليلاً من كلمات عربية في مزيج هجين غريب تكاد العربية فيه أن تكون خجولة .

وفي قفزة دراماتيكية دعونا نعود إلى المشهد الأول وإلى ما بعد البداية، في عمر الاثني عشر كتبت أول نص إنشائي عربي   يرقى إلى مستوى الابداع والاحترافية ، وفي سن العشرين كتبت أبياتي الشعرية الأولى وعندما عملت مهندسًا في دائرة المشاريع كان مديري يطلب مني أن أكتب المطالعات للعروض والتقارير ، وطيلة  هذه وتلك لم تفارقنِ القراءة ولا كتب مكتبة والدي وفي عمر الأربعين كانت نسخة القرآن الكريم القديمة في مكتبة والدي إرثًا عزيزًا وصاحب لا يفارقني إلى ما شاء الله .

واليوم وفي عمرالستين أكتب إليكم أيها السيدات والسادة هذه المقالة ، إنه لمن الجميل أن نبحث لأبنائنا عن الأفضل دومًا من المدارس والتعليم ومنها وفق نظام ( أجنبي ) فالعلم واجب والتحصن بالمعرفة والعلوم مطلوب بما يمكن الأمم من مجاراة تحديات العصر الحديث للتطور والعيش الكريم ، ولكن لا تنسوا لغة الأجداد لغتنا العربية ، حثوا أولادكم على القراءة والمطالعة للكتب العربية ، فالعربية هي لغة القرآن الكريم ، العربية لغة فخر الحضارات وأمجادها والعربية هي علوم الأدب والأخلاق ، هي المبادئ ومنبع الحكمة . نعم علموا أولادكم الأجنبية، ولكن لا تنسوا في خضم التربية والتعليم أن واجبكم أيضًا أن تقربوهم إلى لغتهم العربية ليكونوا ملمين بعلومها وأدبها فهي كنز يثري ومفتاح نجاح في الحياة .

وعجبًا لمن يتفاخرون بأن أبنهم يتحدث الانجليزية بطلاقة ، ولا يحزنون للغته الهجينة والنص الانكليزي الغريب في رسائله على وسائل التواصل الاجتماعي وفي حديثه مع الآخرين ، يتفاخرون بأنه يشتري آخر الإصدارات لكتب الأدب الانجليزي والقصص العالمية ويشاهد الأفلام السينمائية الغربية في متابعة وإعجاب ، وبعد أن كان كل منا يحمل في بطاقة هويته اسم عربي باتت اليوم الأسماء الأجنبية هي علامة للتفاخر والتميز .

سيداتي سادتي ، إن هجر الأبناء لغتهم العربية فقطعًا سيتركون قراءة كتبها الثقافية والأدبية وحينها ستكون المعادلة بأن ما يأتي به كتاب الانجليزية هو حداثة وتطور وأن ما تأتي به العربية هو قديم وتاريخ ، ستحمل هذه المؤلفات والكتب بين سطورها أفكارًا غريبة وقيم بعيدة عن أخلاقنا ومبادئنا وحتمًا إن ما تحمله من تفسير أو تحليل في محتواها ينم عن ثقافة مؤلفها ومعتقداته الاجتماعية التي نشأ فيها . وأنه ليس من المبالغة في وصفها بداية في تغيرالعقول والافكار ، فإن بعدت المسافة عن لغتهم  تراهم يهجرون كتبها فثقافتها وقيمها وستضيع حينها الهوية.

لنعلم أولادنا لغات الدنيا وعلومها أيًا ما نريد فلا ضرر في ذلك بل هو نفع أكيد ولكن دعونا نغرس فيهم حب اللغة العربية من خلال قراءة كتبها وآدابها وأن لا تكون العربية في نهجكم ( مرور الكرام ) ولا أن تكون في قاموسهم ( أشفاقا ) .

شكرًا والدي وجزاك الله خيرًا للكتاب الأول الذي منحتني إياه ، شكرًا أمتنانًا وتقديرًا

بقلم – المستشار المهندس علي الزويلف