نحن اليوم نعيش في عام مميز، عام المجتمع، وقد أوضحت لنا الإحصائيات أن هناك نقاطًا نحتاج إلى تقويتها لبناء شخصيات قادرة على التكيف مع ذاتها أولًا، ثم مع المجتمع الخارجي، شخصيات تمتلك الإيجابية والقدرة على مواجهة التحديات. وهذا ما سعت إليه حكومتنا الرشيدة من خلال وضع الاستراتيجيات وتحفيز جميع الأفراد للعمل نحوها وصولًا إلى تعزيز الصحة النفسية.
إن العلاقة القائمة بين الآباء والأبناء يجب أن تكون قوية منذ الصغر؛ فما نزرعه في الطفولة نحصد ثماره في الكبر. هذه العلاقة تنمو وتزدهر بالمشاعر والأحاسيس الطيبة. وفي العصر الذي نعيشه اليوم نحن في حاجة ماسّة إلى الاحتواء العاطفي وتفعيل لغة الجسد عبر الإيماءات، والنظرات، والرسائل المباشرة وغير المباشرة الإيجابية.
فمشاعر الأمومة والأبوة من أعظم نعم الله على الإنسان، ونحن بحاجة إلى الإكثار منها. ومن لم يحظَ بها في طفولته، عليه أن يتعلمها ويمارسها ويكررها مع نفسه في الكبر حتى ينقلها بدوره إلى أبنائه على شكل رسائل إيجابية.
ويتحقق ذلك بتفعيل لغة الحوار مع الأبناء على اختلاف أعمارهم، فالإنصات الفعّال يُعد من أهم ركائز قوة العلاقة بين الآباء والأبناء. وقد قيل في أمثالنا الشعبية: “إن بغيت توالف سوى سوالف”، أي تحدث معهم وشاركهم حتى يشعروا بأهميتهم، ويرتفع لديهم تقديرهم لذواتهم، وهو ما يشكل أساسًا للتعامل بكفاءة مع الآخرين ومع المجتمع.
أما الرسائل الإيجابية فيمكن أن نوجهها لهم مباشرة أثناء وجودهم معنا على انفراد أو أمام الآخرين، بل وحتى أثناء نومهم عبر المسح على رؤوسهم وتقبيلهم ليشعروا بنا. الحديث في هذا الموضوع يطول، لكن الأهم هو التطبيق العملي وصولًا إلى بناء صحة نفسية متوازنة تساعدهم على التعايش بإيجابية مع أنفسهم ومع الآخرين.
كما أن قصصنا نحن كآباء وأمهات في محطات حياتنا يجب أن تُروى منذ بدايات إدراك الأبناء لما يدور حولهم، لنكون قدوة لهم ونكسر حاجز الجمود، خاصة عند بلوغهم مرحلة المراهقة التي تُعد مرحلة فارقة في حياتهم، فتتكامل سلسلة التربية بشكل مترابط.
وقد أعجبتني قصة من قصص الحكمة، أود أن تصل إلى كل أب وأم لينقلوها بدورهم لأبنائهم: سأل الثعلبُ جملًا كان واقفًا على ضفة النهر: “إلى أي مستوى يصل عمق ماء النهر؟” فأجابه الجمل: “إلى الركبة”. فما كان من الثعلب إلا أن قفز مسرعًا في النهر، فإذا بالماء يغمره حتى كاد يغرق، وبمشقة استطاع النجاة. عندها صاح الثعلب بالجمل: “ألم تقل إن الماء يصل إلى الركبة؟” فأجابه الجمل: “نعم، إلى ركبتي أنا!” والرسالة هنا: لا تأخذ يا بُنيّ حلول غيرك على أنها قطعية لك، بل فكّر وتدبر وناقشني واستشرني دائمًا.
فالقيم في حياة الإنسان سُلّم طويل يجب أن نحدده منذ بداية تكوين الأسرة. ولا يمكن القول إن قيمةً ما تسبق الأخرى، لكن إذا تحدثنا عن قيمة المسؤولية فهي أولى الرسائل التي يجب أن ننقلها لأبنائنا، وخاصة في السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل.
ولكل مرحلة عمرية طريقة تناسبها في غرس القيم، مع مراعاة إدراك الطفل ومستوى وعيه. فقيمة المسؤولية، على سبيل المثال، تتوسع مع كل عمر حتى نصل إلى مرحلة النضج العقلي والانفعالي، وينطبق ذلك على باقي القيم التي ينبغي ترتيبها ضمن كل أسرة مع الاستمرار في تكرارها لترسيخها والوصول إلى النتيجة المرجوّة.
كما يجب أن نوصل لأبنائنا رسالة مفادها أن قادتنا في دولة الإمارات قدوة يُحتذى بها في الالتزام بالقيم، وأن بلادنا في قلوبنا نحملها ونحافظ عليها من كل جانب: الإنسان، والأرض، والجار. فهذه القيم تتكامل معًا في رسائلنا لتُترجم إلى سلوك عملي في حياتهم اليومية.
ونستكمل معًا رحلة الرسائل في أعداد قادمة…
إعداد : هبة محمد عبد الرحمن/ مستشارة تربوية