الصمت ليس حلاً
حين يكون الكلام تقليصًا لا مواجهة – بقلم المستشارة سلوى آل رحمة
الصوت الداخلي هو الهمس الخفي الذي ينقذك حين يثقل عليك الصمت ، هو البوح الذي لا يُقال ، لكنه يرممك من الداخل ، هو لحظة صدق مع الذات ، تذكرك أن الشجاعة لا تكون دائمًا في المواجهة ، بل في الاعتراف بأنك تتألم وتحتاج أن تُفهم . إن أعمق التحولات تبدأ من كلمة تقال في الوقت الصحيح ، من قرار صغير بأن لا تساوم على صوتك . . ولا على سلامك .
في زحمة الضغوط اليومية ، وفي ظل ثقافات تربّت على كبت المشاعر وتقديس الصبر المبالغ فيه ، ينمو في داخلنا صمتٌ ثقيل لا يُرى ، لكنه يُشعر ، يُتراكم ، يُتضخم … حتى ينفجر .
كم من الأشخاص نعرفهم يبتسمون طوال اليوم ، ويضحكون في الجلسات ، لكنهم ينهارون في صمت عندما يُغلق الباب ؟ كم من موظف صامت قرر ترك وظيفته لأنه لم يُسمع ؟ وكم من زوجة اختارت الانفصال لأنها تعبت من شرح مشاعرها لشخص لا يسمع ؟ وكم من ابن ضاع ، فقط لأنه لم يجد من يستقبل كلماته دون حكم أو استهزاء ؟
متى يتحوّل الصمت من هدوء إلى مرض ؟
الصمت مهارة أحيانًا ، نعم . هو حكمة في لحظة غضب ، ووقار في زمن الصخب ، لكنه حين يستمر بلا سبب ظاهر … يتحوّل إلى استنزاف . الإنسان لا يُخلق ليكون صامتًا دومًا. نحتاج إلى أن نُسمَع، نُفهَم، نُحتَضَن. وحين نُمنع من ذلك ، أو نمنع أنفسنا تحت شعار “ما في فايدة” أو “ليش أشرح ؟ محد راح يفهم” فإننا نقتل في داخلنا صوتنا الداخلي ، ذاك الصوت الذي يحمينا من الانهيار .
لماذا نصمت ؟ الأسباب أكثر مما نتصور
- لأننا خُذلنا سابقًا .
- لأننا لم نُربَّى على التعبير ، بل على الصبر والتحمل .
- لأن المجتمع أحيانًا يستهزئ بمن يشتكي ، ويصفه بالضعيف أو المبالغ .
- لأننا نُحب من حولنا ، فنخشى أن نجرحهم بكلامنا .
لكن الحقيقة المُرّة ؟ أن الصمت لا يحميهم ، بل يبعدنا عنهم أكثر . وأن من نصمت لأجله اليوم … قد نصير غرباء عنه غدًا .
الصمت في العلاقات … بداية النهاية
في العلاقات الزوجية مثلًا ، يبدأ الانفصال العاطفي ليس بالخيانة أو الخلاف … بل بالصمت . عندما تتوقف عن السؤال : “كيف كان يومك ؟” ، أو عن قول : “تؤلمني هذه الكلمة منك” ، يبدأ الجدار يرتفع . وفي البيوت ، حين لا يجد الطفل مساحة ليعبر عن خوفه أو فشله أو حتى فضوله ، يبحث عن بدائل خارجية ، قد تكون لعبة ، أو رفيق سوء ، أو عزلة رقمية تبتلعه بهدوء . الصمت ليس فقط انعدام الحوار … بل هو انعدام الأمان العاطفي .
ورشة “الصمت ليس حلاً”: حين نطقت القلوب
حين بدأنا الورشة ، طلبتُ من الحضور أن يكتبوا على ورقة واحدة فقط : “شيء واحد صمتُّ عنه طويلًا ، وأثر فيّ .” ثم طلبت منهم تمزيق الورقة … لكنهم لم يفعلوا . جلسوا يقرؤونها ، يبكون ، يضحكون بمرارة . سيدة تحدثت عن صمتها لأكثر من عشرين عامًا عن أذى تعرضت له ، فقط لأنها خافت من نظرة المجتمع . شاب تحدث عن محاولته الانتحار لأنه لم يجد من يستمع له دون أحكام . كان في القاعة أكثر من عشرين صوتًا مكبوتًا… وكل صوت منهم ، حكاية كاملة من الألم .
الكلام شجاعة … لا ضعف
أن تتحدث لا يعني أنك تشتكي ، ولا يعني أنك سلبي ، أو غير ممتن . أن تتحدث يعني أنك إنسان ، تشعر ، تتفاعل ، تتألم ، وتريد أن تُفهَم .
الكلام هو بوابتك إلى الشفاء ، إلى إعادة ضبط العلاقة مع نفسك ومع من حولك . وإن كنا نخاف من الحديث لأننا لا نعرف كيف … فالورشة علمتنا : أن التعبير مهارة تُكتسب ، وليست طباعًا نُولَد بها فقط .
مساحة آمنة للكلام : الحلم الذي يستحق العمل عليه
نحتاج في حياتنا اليومية إلى خلق مساحات آمنة للكلام :
- في بيوتنا : أن يشعر كل فرد أن كلامه مسموع دون استهزاء .
- في العمل : أن تكون هناك مساحة للتعبير دون خوف من فقدان الوظيفة .
- في العلاقات : أن يكون الكلام جسراً، لا سلاحًا .
والأهم : أن نكون نحن ، أول من نمنح أنفسنا هذا الحق .
إعادة بناء الصوت الداخلي
من صمت طويل يولد صوت صغير في الداخل … يبدأ بسؤال : “هل يحق لي أن أقول ؟” ، ثم يكبر إلى : “أنا أستحق أن أُسمَع .” وهذه هي نقطة التحول الحقيقية . حين يتوقف الإنسان عن تبرير صمته ، ويبدأ في تدريب صوته . الصوت الذي يقول : “كفى تجاهلاً” ، و”هذا الشيء يزعجني” ، و”أنا لست بخير … وأحتاج دعمًا .”
الصمت ليس نضجًا دائمًا … بل خطر حين يُطيل البقاء
حين يصبح الصمت هو ردك على كل شيء ، تبدأ بفقدان العلاقة مع نفسك . لا تعود تميّز ما تريده فعلًا ، وما فرضه الصمت عليك . وحين تُسأل : “ما بك ؟”، لا تجد جوابًا … لأنك نسيت كيف تصيغ مشاعرك بالكلمات . في تلك اللحظة ، لا تكون ناضجًا … بل ضائعًا .
إذا شعرت أن هذا المقال يلامسك، فهناك تجربة كاملة بانتظارك…
ورشة تفاعلية بعنوان: « الصمت ليس حلًا : استعادة الصوت الداخلي في العلاقات والمواقف» .
مليئة بالقصص الواقعية ، التمارين ، واللحظات الصادقة التي قد تعيدك إلى نفسك .
شاهدها كاملة : https://youtu.be/7CN6DF5yhEI